عملية تحيّل على تونسي تكشف شبكة فساد دولية: استورد الكريستال من مالي فوجده رملا في تونس!
الجمعة 31 جويلية 2009 الساعة 10:12:29 بتوقيت تونس العاصمة
* تونس ـ «الشروق»:
من مدير عام لشركة طيران خاصة مقرها مطار «داكار» مرورا بالوكيل العام للجمهورية السينغالية إلى عميد قضاة التحقيق.. كشفت قضية التاجر التونسي «محسن الدريدي» الذي وقع ضحية تحيل غريبة.. عن شبكة كبرى للفساد المالي والإداري في «السينغال».. وفتحت بدورها الباب على مصراعيه للاعلام الذي فضح عدة تجاوزات وإخلالات تمت باسم القانون وباستغلال فاضح للسلطة.
عملية تحيل على الطريقة الافريقية.. لم تكن تلك التي عرفناها.. توليدا للأموال.. أو تبييضا للأوراق السوداء التي تتحول بفضل السائل السحري إلى دولارات.. ولا استخراجا للكنز من باطن الأرض.. بمساعدة الجان «ريّان».. أو حتى كشف المستور بفضل ملك الجان «سمّاروش».. لكنها تحيل باسم القانون وبغطاء العدالة وأرضيتها وثائق رسمية لكنها مدلسة أصحابها مسؤولون حقيقيون ومناصبهم حقيقية لكن امضاءاتهم وهمية.. مزدوجة ومتناقضة بين ما يدرج في الملفات الإدارية وما يسلم للضحايا.
تحيل تحت طائلة القانون
«محسن الدريدي» 59 عاما تاجر تونسي أحد ضحايا هذه المجموعة أو بالأحرى الشبكة الدولية التي تمتد خيوطها إلى بلدان أخرى.. رغم محاولة ارهابه وإيهامه بالتورط في تهريب عملة مزيفة إلا أنه أصرّ على نيل حقه كلفه ذلك ما كلفه بعد تأكده من تعرضه لعملية تحيل كبرى حولت وجهة بضاعته التي اشتراها من السينغال ووردها إلى مطار تونس قرطاج لكن الشبكة حوّلت وجهتها إلى مطار «مالي»..
فاختفى الكريستال وحلّ محلّه الرمل وتبخرت كل الأموال التي دفعها حوالي 350 ألف فرنك افريقي.. إصراره على نيل حقه كشف عن عناصر هذه الشبكة الدولية وعن 5 أشخاص يعتبرون من الشخصيات المهمة في جمهورية السينغال إضافة إلى عناصر أخرى بمالي انتحلوا بدورهم صفة أعوان أمن.
«الشروق» تحدثت إلى السيد «محسن الدريدي» أحد ضحايا هذه الشبكة التي فضحها الاعلام السينغالي مؤخرا عبر كل الوسائل المكتوبة والمرئية والالكترونية وتحولت القضية من قضية مواطن تونسي تعرض لعملية تحيل إلى قضية تهم الرأي العام السينغالي والحكومة.. بسبب ارتباط القضية بمسائل تخص الفساد المالي والاداري.
«إنها صدمة عمري»
«...إنها صدمة عمري.. أفقدتني كل ما جنيته طيلة سنوات من العمل والشقاء وانتهت ببيع منزلي في تونس لاستكمال ثمن البضاعة...» هكذا استهل السيد محسن كلامه عن حكايته التي يعرفها القاصي والداني بالسينغال ليضيف:»كنت اعتبر نفسي حذرا جدا في معاملاتي فأنا لا أتعامل إلا مع المؤسسات الادارية الرسمية وبالوثائق لقد اقتنيت كمية من مادة الكريستال (10 صناديق) دفعت ثمنها نقدا لمالكها بعد أن تفحصت عينة منها وعاينت البضاعة... وقمت اثرها بكل الاجراءات القانونية لتوريد هذه البضاعة الى تونس قمت بتحويل البضاعة الى مطار داكار وبعد أيام اتصل بي الاشخاص العاملون هنا ومدير عام لشركة الطيران الخاصة الذي عرفني عليه مالك البضاعة وأعلمني انه يتعين علينا دفع مبالغ أخرى مالية للقمارق كمعلوم أدائي فعدت إلى تونس وبعت منزلي لأوفر المبلغ...
اعتقدت أني استوفيت كل الاجراءات بجلب الوثائق التي بحوزتي لكني فوجئت فيما بعد بأن البضاعة التي شحنتها الى مطار تونس قرطاج قد تحولت وجهتها الى مطار «باماكو» بمالي وطلبوا مني أن ابحث عنها هناك.. فركبت أول طائرة وذهبت الى مالي.. وهناك (سكت محدثنا لحظات) تصوروا تم ايقافي من طرف مجموعة داخل المطار وأوهموني أنهم أعوان أمن المطار وقدموا لي صور «سكانار» تؤكد أن البضاعة التي في الصناديق والبالغ عددها 30 وليس 10 هي أوراق من فئة المائة دينار المدلسة... أنكرت التهمة وحاولت أن أشرح لهم الأمر فرفضوا وطلبوا مني عدم مغادرة النزل الذي أقيم فيه.. كان الأمر أشبه بفيلم حين اتصل بي أحد المتهمين في مالي وطلب مني العودة فورا إلى السينغال حتى لا أتعرض للايقاف والسجن وأنه سيتولى فضّ المشكل فصدقته.. وكانت العملية مجرد سيناريو محبوك حتى أخاف وأترك الصناديق ومالي وأهرب.. فكرت طويلا في الأمر وقررت العودة إلى مالي مهما حدث فأنا لا أعرف شيئا عن الدولارات وأنا شحنت فقط مادة الكريستال إلى تونس، التجأت إلى سفارتنا ومنها إلى السفارة الأمريكية التي رافقني منها مسؤول للاطلاع على الدولارات المزيفة وكانت حينها الصدمة الحقيقية.. لم يكن هناك دولارات بل رمل ـ وكل ما حدث كان مجرد تمثيل حتى أهرب.
عودة إلى السينغال
يواصل السيد محسن كلامه: «لقد عدت إلى السينغال والتجأت حينها للقضاء بعد أن قدمت نفسي للسلطات الأمنية بالمطار وحدثتهم بكل التفاصيل وتولت فرقة الأبحاث عندهم التحقيق وأعلموني بعد 4 أيام من الايقاف بكوني تعرضت لعملية تحيّل وتم إيقاف مدير عام شركة الطيران «يوسو ي».. وكشفت قضيتي عن تورط عميد قضاة التحقيق (ماهاوا سيمو) في هذه الشبكة وكذلك الوكيل العام ووكيل الجمهورية وقاضي الشغل.. أوقفوا على ذمة القضية 20 يوما ثم ابقوهم بحالة سراح بعد رفع الحصانة عنهم وقررت التفقدية العليا إيقافهم جميعهم عن العمل.
قضية رأي عام
أعلم ان قضيتي تحولت إلى قضية رأي عام أتابعها حاليا عن طريق محامين.. عدة أشخاص موقوفون اليوم على ذمتها.. كم أحس بالوجع والألم والحسرة على ما تعرضت إليه، لكن أملي كان فقط بعد أن اتصلت بي الحكومة السينغالية وأكدوا لي أن السيد الرئيس (عبد اللّه واد) مهتم بحكايتي حتى يعاد لي مالي الذي نهبوه مني باسم القانون.
وسأسافر بعد 5 أيام إلى السينغال لأحصل على مستحقاتي، لذا أشكر السلطات السينغالية والاعلام الذين ساندوني ضدّ هذه الشبكة المتحيّلة.
قضية التاجر التونسي قد لا تكون الأولى إذ سبق أن تابعنا قضية مماثلة قبل حوالي 15 عاما، ولن تكون الأخيرة لذا وجب فعلا الحذر في التعامل مع بعض المؤسسات خارج حدود الوطن لضمان مآل أموالنا.. حتى لا تذهب هباء.
* متابعة: سميرة الخياري كشو
الثلاثاء أغسطس 11, 2009 11:49 am من طرف محمد الأنصاري