قام فريق من المهندسين والصيادلة السويسريين بإنشاء آلةٍ ذات كُـلفةٍ منخفضة من المُقرّر إطلاقها في دولة مالي الإفريقية، تهدف إلى مُساعدة البلدان الفقيرة على الكشف عن الأدوية المزيّـفة.وتشكل الأدوية المزيّـفة مُشكِـلة مُتفاقمة النمو تُهدِّد الصحة العامة، خاصة بالنسبة للدول النامية. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 30% من الأدوية المُباعة في العديد من البلدان الإفريقية، بالإضافة إلى أجزاء من قارّتيْ آسيا وأمريكا اللاتينية، يُمكن أن تكون مزيّـفة.
ووفقاً "لمركز الأدوية للمصلحة العامة" في الولايات المتحدة، ستصل قيمة مَبِـيعات الأدوية المزيّـفة إلى 75 مليار دولار (77.1 مليار فرنك سويسري) على الصعيد العالمي في عام 2010. وتشكِّـل هذه زيادة تُقَدّر بأكثر من 90% مقارنة بعام 2005.
وأكثر المناطق التي يتمِ فيها تزوير الأدوية، هي تلك التي تَفتقد إلى التنظيمات في مجال الأدوية والتي تَتّـسم أنظمة التنفيذ فيها بالضّـعف. وفي إفريقيا، يمكن أن تكون للأدوية المستورَدة والتي تصل نسبتها إلى 80%، عواقب كارثية بسبب عدم تَوَفّـر وسائل تحليل جَـودة هذه الأدوية.
وفي تصريح لمنظمة الصحة العالمية، يُمكن إنقاذ حياة ما لا يقِـل عن 200.000 شخص سنوياً، لو لم تتوفّـر مثل هذه الأدوية المُزيّـفة. وقد توفي أكثر من 80 طفلا في نيجيريا في عام 2008 بسبب دواء كان يحتوي على مادة"غليكول الاثيلين" diethylene glycol السامة، المُسكِّـنة للآلام، والذي كان يُعطى لهؤلاء الأطفال للتّـخفيف من أعراض ظهور الأسنان الأولية لديْـهم.
وقد توصّـلت كلية لوزان – جنيف للصيدلة، جنباً إلى جنب مع كلية فريبورغ للهندسة والعمارة، إلى حلٍ فريدٍ لفحْـص جودة الأدوية في الدول النامية.
وهدف هذا التعاون إلى تصميم أداة رخيصة وبسيطة وقوية وقادرة في نفس الوقت على التكيّـف مع درجات الحرارة العالية والظروف الجوية القاسية.
وتَستَخدم هذه الأداة التحليلية المُنخفضة الكلفة تِقنية "الكهربائية الشَعرية"، وهي تِقَنية مُعترف بها تقوم بالفصل بين الجزيئات حَسبَ حجمها وشُحنتها الكهربائية. آلة سويسرية للكشف عن الأدوية المزيفة كلفة مُنخفضةوقال سيرج روداس، مُنسّق المشروع في كلية جنيف للصيدلة لـ swissinfo.ch: "تُعتبر هذه التِقنية مثيرة للاهتمام، لأنها تستخدم مواد قليلة وبكلفة تحليلية منخفضة، غير أنها ليست معروفة جداً".
وتتوفر مثل هذه الأدوات في السوق بالفعل، ولكنها باهظة التكاليف، حيث يبلغ سِـعر الجهاز الواحد من 60.000 إلى 80.000 فرنك سويسري (من 58.400 – 78.000 دولار)، كما تصعب إدامتها والحِفاظ عليها، أما الجهاز الجديد، فلا تزيد كلفته عن 8000 فرنك سويسري.
وفي أوائل شهر نوفمبر القادم، سوف يُرسل هذا الجهاز الأحمر اللون، وبعد ثلاث سنوات من تطويره، إلى المُختبر الوطني الصحي في جامعة باماكو، عاصمة جمهورية مالي الواقعة غرب قارة إفريقيا والتي تربطها اتفاقات خاصة للتعاون مع جامعة جنيف.
مختبر باماكووتَتَطَلَّب الأساليب المُتّـبعة حالياً في المختبر الصحي الوطني للكشف عن الأدوية المزيفة، تِقنية عالية بالإضافة لكونها غالية الكلفة. فعلى سبيل المثال، يواجه المُختبر صعوبات ُمتزايدة في الحصول على المُذيبات العُضوية العالية الجودة بأسعار معقولة.
وفقا لسيرج روداس، لا يَستخدم الجهاز الجديد في عملية التحليل سوى كميةٍ ضئيلة من المادة الُمذيبة مع كميات صغيرة من الماء، بالإضافة إلى كونه أسهل بكثير من حيث التشغيل والصيانة.
وقد تم اختبار الجهاز في مرحلة التطوير على مجموعة معروفة مكوَّنة من 20 نوعٍا من الأدوية، بما فيها المُضاد الحيوي "اموكسيسيلين" Amoxicillin، الذي يستخدم لعلاج الالتهابات البكتيرية، بالإضافة إلى المضاد الحيوي "كوتريمازول" Cotrimazol والعلاجات المُضادة لفيروس نقص المناعة المُكتسبة (السيدا - الإيدز)، والعقار المُضاد لمرض الملاريا والمسمى "كينيدين" Quinidine.
وختم روداس حديثه بالقول: "لكن من حيث المبدأ، يُمكن للجهاز اختبار أي نوع من الأدوية".
ويُراهن العلماء منذ الآن على نجاح مشروعهم، مما دعاهم إلى القيام بتأسيس جمعية "فارميلب" Pharmelp، لتكون قادرة على عرض النهج الذي يَتّـبِعونه لفحص العقاقير مع هذا الجهاز القليل الكلفة إلى بلدانٍ ناميةٍ أخرى.
ويشعر روداس بالثقة من نجاح هذا المشروع عن طريق انتشار خبر هذا الجهاز في العالم الطبي الإفريقي وتَناقل المعلومات حوله بصورة شفوية. وقد تم الاتصال بروداس بالفعل من قِبل شُركاء مهتمّـين من مدغشقر وكمبوديا.
سايمون برادلي - swissinfo.ch