يبدو ان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد فتح الباب على مصراعيه امام الامريكي الابيض ليعتذر عن اخطاء عبوديته التي إستمرت قرونا طويلة واستمراها الرجل الاسود على مضض
google_protectAndRun("ads_core.google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);
فقد اقر مجلس الشيوخ الامريكي مشروع قانون غير ملزم بالإعتذار إلى الامريكيين من اصل افريقي على ما قال إنها ( اخطاء العبودية )على ان يتم إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه في وقت لاحق لا يتعدى الإسبوع .
وينص مشروع القانون على إقرار الكونغرس ب ( الظلم والوحشية والمعاملة غير الإنسانية التي نجمت عن ممارسات الرق والعبودية ، وقوانين جيم كرو سيئة الصيت )(1) كما يعتذر ( مجلس الشيوخ ) للامريكيين الافارقة نيابة عن شعب الولايات المتحدة على تلك الاخطاء التي ارتكبت بحقهم وبحق اسلافهم الذين عانوا في ظل العبودية وقوانين جيم كرو، وتعد هذه القوانين احد ابرز العوامل التي تسببت بتكريس العنصرية ضد الاميركيين الافارقة على المستوى المحلي في الولايات الاميركية ، وكانت سارية في معظمها بالولايات الجنوبية والحدودية خلال الفترة من سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن الماضي .
ومن بين ما اقرته تلك القوانين التي واكبت الحرب الاهلية في الولايات المتحدة الاميركية ، حرمان الامريكيين من اصل افريقي ، من حقهم في التصويت وحق الحصول على العمل ، وكذلك الدخول إلى الاماكن العامة مثل المطاعم والفنادق والمنشآت الاخرى وفصلهم عن الاماكن الخاصة بالبيض.
ويقوم الفصل الإجتماعي والتمييز العنصري في معظم البلدان على اساس من الإختلافات القومية والسلالية ، فمثلا يخضع الكوريون الذين يعيشون في اليابان للفصل الإجتماعي وللتمييز العنصري بصورة عادية ، وينظر اليابانيون إليهم على انهم ادنى مرتبة واقل شانا ، ولسنوات طويلة وجد في جنوب افريقيا اكمل نظام للفصل الإجتماعي تقريبا ، إذ اتبعت حكومة جنوب افريقيا التي كان يسيطر عليها البيض ، السياسة المعروفة بإسم التفرقة العنصرية ( الابارتيد ) وكانت تهدف إلى إخضاع الافارقة السود في كل وجه من وجوه الحياة .
ومنذ اوائل الاربعينات بدا الفصل الإجتماعي في الافول والتراجع بشكل مطرد في كثير من انحاء العالم ، فقد ادى العديد من العوامل إلى الإحتكاك المتزايد بين الطبقات والجماعات الثقافية والسلالية والعقدية والقومية ، وتشتمل هذه العوامل على نهاية الإستعمار وإنتشار التعليم والنمو السريع للمدن ، وتطور وسائل النقل السريع ونظم الإتصال الجماهيري .
خلال السنوات التي تلت الحرب الاهلية ،ولا سيما بعد العام 1890 تبنت حكومة الولايات في الجنوب قوانين التمييز العنصري التي تفرض فصل العرقين في كل مظهر تقريبا من مظاهر الحياة اليومية ، فرضت هذه القوانين وجود مدارس عامة منفصلة ، وعربات قطار منفصلة ، ومكتبات عامة منفصلة ، وحتى فرضت إنشاء نوافير مياه الشرب ، ومطاعم ، وفنادق منفصلة ، عرف النظام بصورة غير رسمية بنظام جيم كرو ، وهي عبارة ماخوذة من اغنية ظهرت عام 1828 في عرض موسيقي تقول : ( إقفز يا جيم كرو ) والتي كان يؤديها عادة ممثلون بيض يظهرون على المسرح بطلاء اسود على وجوههم بشكل كاريكاتوري يمثل الرجل الاسود غيرالمتعلم ذي المنزلة الدنيا . ( 2 )
ولكن بالنسبة للافريقيين الامريكيين ، فإن نشوء التمييز العنصري بموجب نظام جيم كرو كان يتطلب ردودا جديدة وإستراتيجيات جديدة ، للمطالبة بحقوقهم المدنية وهذا ما حدث مع روزا باركس المواطنة الاميركية من اصول افريقية والتي احدثت تصدعا كبيرا في جدار العنصرية ، عندما رفضت وتمردت على القواعد التي تفرض على السود إخلاء مقاعدهم والتنازل عنها للركاب البيض .
في الثانية من عمرها عاشت باركس مع والدتها ، جديها ، واخيها الاصغر في مزرعة خارج بلدة توسكفي ، وتلقت هناك تعليما منزليا حتى بلغت الحادية عشرة من العمر ، وكانت ايضا عضوة في كنيسة ميثودية إفريقية ، اكملت باركس دراستها في إحدى مدارس مونتغمري التي انشات من قبل بعض النساء اللاتي إعتنقن فكرا متحررا توافق مع نصائح والدتها في فهم قيمة الشخص نفسه ، ثم إنتقلت إلى مدرسة خاصة بالافارقة الامريكيون لإكمال المرحلة الثانوية ، إلا انها اجبرت على التخلي عن دراستها للعناية بجدتها ووالدتها بعد ان اعياهما المرض .
ذكرت باركس ان العديد من مظاهر التمييز العنصري واجهته خلال نشاتها خاصة إنها عاشت في إحدى مناطق الجنوب الاميركي الذي كان التمييز العنصري فيه اشد من المناطق الاخرى بموجب قانون جيم كرو ، فقد كان المجتمعان الابيض والاسود منفصلين يحكمهما قوانين تفضل المجتمع الابيض على غيره ، حتى من ناحية وسائلالنقل فقد كان على الامريكيين السود التخلي عن مقاعدهم للبيض ، كذلك فقد كانت جماعة الكوكلوكس كلان وهي جماعة امريكية من البيض إشتهرت ببغضها الشديد للسود ،تمر بشكل مستمر في الطرقات امام البيت الذي كانت تعيش فيه ، وكانت تذكر بان جدها كان يحرس البيت وبيده بندقية ، ومشاعر الخوف الذي كان يتملكها عندما كانت هذه الجماعة المتطرفة تمر ليلا وهم يحملون المشاعل ،إلا ان باركس لاتنسى بان بعضا من البيض كانوا يعاملونها بلطف وإحترام .
تزوجت روزا رايموند باركس بعضو في إحدى الجمعيات المكافحة لمظاهر العنصرية وعملت إلى جانبه في تحسين حياة بعض الامريكيين الافارقة .
كان من البديهي ان ينتهي امر باركس إلى السجن بعد رفضها التخلي عن كرسيها في الحافلة للرجل الابيض ،إلا ان الإحتجاجات الكبيرة التي عمت شوارع المدن الامريكية اجبرت سلطات الولاية من ان تفرج عنها ،وقد ساعدها احد القساوسة حينما نظم إضرابا بعدم ركوب الحافلات مما سبب إحراجا لاصحاب شركات النقل الذين سارعوا للتدخل في إطلاق سراحها .
كانت روزا باركس الشرارة الاولى للثورة على الإضطهاد والعبودية ، تبعها مارتن لوثر كنك الذي حصل بعدئذ على جائزة نوبل للسلام لإنجازاته في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية ،باركس قالت في حديث لها عام 1992 : ( السبب الحقيقي وراء عدم وقوفي في الحافلة وتركي مقعدي هو إنني شعرت بان لديّ الحق ان اعامل كاي راكب آخر على متن الحافلة ، فقد عانينا من تلك المعاملة غير العادلة لسنوات طويلة ).
غير ان إبن جلدتها الرئيس الامريكي باراك اوباما حقق لها ماكانت تصبو إليه حيث وضع إعتذار امريكا بين يديها لحظة ان قالت لا للعبودية .
أحمد فاضل