|
| |
| مسجد سيدنا الحسين في القاهرة | <td width=1> |
زيارة الحسين
رمضان بغير الفيشاوي بحر بغير سمك. هناك يشتري كل واحد منا مسبحة جديدة، وعصا، وقليلا من البخور، وفلاية من خشب الليمون تذكارا لمن نحب. الميدان الفسيح الجميل الذي كان يحمل مذاق قاهرة الفاطميين تغير، وكل شىء في الدنيا يتغير.
يباع كل شىء هنا سواء خطر لك على بال أم لم يخطر. حب العزيز يسافر من طنطا إلى الحسين احتفالا بشهر رمضان، وباعة السبح يكونون جيشا هائلا لو اصطف حول القاهرة لصنع ثلاثة وثلاثين صفا. والسبحة ليست من الدين ولكنها تقليد ووجاهة، إنها تخلع عليك صفة الرجل المحترم المتدين الفاضل الذي يصلي الفرائض ويصوم لربه ويعرف دينه، ويسلم الناس من أذاه. لا عليك لو اشتريت هنا مسبحة رغم أنك تصوم تقليدا ولا تصلي ولست متدينا ولا فاضلا.
كان الناس يحبون مقهى الفيشاوي ويزورونه دائما. هو المكان الوحيد الذي يمكنك أن تسهر فيه للصباح دون أن يسألك أحد لماذا تسهر، وكان المقهى يضم نماذج غريبة من الخلق. تجد الوزير والفنان والهارب من العدالة جوار قطة الليل التي أنهت نمرتها وجاءت للبركة.
كم تغير ميدان الحسين. على أوائل هذا القرن كانت القاهرة تحتفل برمضان احتفالا مهيبا . كان عدد المشايخ يكاد يقترب من عدد البيوت، وكل بيت في رمضان يشرفه شيخ يقرأ القرآن. أما الذين لا يملكون القدرة على دعوة شيخ فكانوا يذهبون لحي الحسين، وهناك كانوا يجدون بغيتهم من سماع القرآن والإنشاد الديني والتواشيح. وكان الفقاء يتبارون في التغني بمحاسن الشهر وفضائله، وكانت الأصوات قديما قوية مجلجلة.
ويمر الوقت على حي الحسين فيصبح في شهر رمضان مدرسة فنية لابد أن يجتازها الشيخ القارىء أو رجل الدين أو المنشد قبل أن يصل للشهرة. مدرسة تزدهر فيها المشايخ وتحتدم المنافسة بينهم من أجل إنشاد أفضل.
مدّعو التصوف
ينتقد الكاتب أدعياء التصوف فيقول " ما أبعد الفرق بين التصوف اليوم والصوفية القديمة، قديما كانت الصوفية حرقة في القلب. ثم صارت اليوم خرقة على البدن، قديما كانت اسماً لحال يقع فيه العبد الزاهد، ثم صارت اليوم رسما لموقف يدعيه.
من كتر حبي للنبي أنا سبت أشغالي.. وانفرط المنشد في مونولوج طويل يتحدث فيه عن حبه للنبي وتضحياته من أجل هذا الحب. وأنه ترك أشغاله وعياله ولم يعد له من عمل إلا الحب. دهشت في نفسي من حلاوة صوته ورداءة معانيه، أيمكن أن يحب هذا الشيخ المدعي رسول الله (ص) أكثر مما كان يحبه أبو بكر مثلا أو عمر؟ وكلاهما لم يترك أشغاله من أجل النبي، بل مكثا حتى أخر لحظة في حياتهما يأكلان من عمل أيديهما.
ويقول المؤلف: قديما كان الإسلام لا يرضى من رجاله أقل من مرتبة الإمتياز في كل شىء، في العلم أو في الديانة، واليوم يشيع المجاذيب أن من قال "حي" بعد حياة حافلة بالذنوب دخل الجنة.
حوار مع إبليس
في أحد الفصول يتخيل المؤلف حوارا مع إبليس فيسأله: ما هو أخطر عمل تحقق فيه ذاتك؟
قال: عملنا الأساسي هو إعطاء الناس صورة خاطئة عن الله. هو حمل اليأس إليهم من رحمة الله.. وأجمل عمل أحقق فيه ذاتي عندما يدرسون للأطفال الدين بطريقة صعبة تجعلهم يكرهون الدين.. هل تعرف أنكم توفرون علينا عملا كثيرا في مدارسكم.
قلت: أخرجتنا من الجنة.
قال: أخرجتم إبليس من رحمة الله.. ما قيمة الجنة جوار رحمة الله.
يقول الراوي: ساهمت دروس الحياة والمجتمع في تعليمي الكذب، ثم نضجت وأسميت النفاق بحسن التصرف، وأسميت الكذب بمراعاة المشاعر، ورحت أنخلع من حظيرة الإسلام وأنا أتصور أنني ازداد تعمقا فيها، صارت لي حياة مزدوجة، ثمة شىء تقوله وشىء تهمس به، ثمة لغة عامة للكافة ولغة خاصة بين الأصدقاء، ثمة شىء نكشفه للناس وشىء نخفيه حتى عن أنفسنا.
لقراءة الموضوع : اضغط على الرابط :