لغز «الشمال المستباح»
الجمعة, 08 أكتوبر 2010
لأول مرة تعلن دولة ذات سيادة، تعيش وضعاً مستقراً، بلا تورية أن حدودها مفتوحة لأي دولة ترغب في استخدامها للحرب ضد أي كائن!
هذا ما حدث مع أعلى هرم في السلطات المالية، إذ دعا رئيسها أمدو توماني توري جيرانه من الجزائر وموريتانيا والنيجر وربما ليبيا وفرنسا أيضاً إلى محاربة عناصر تنظيم القاعدة في أي منطقة يتواجدون فيها داخل أرض بلاده.
هذا التصريح الذي أطلقه الرئيس المالي، اختلفت الرؤى حوله والتفسيرات، فيما برره هو بأن أمن الدول الأربع التي تشترك في الصحراء واحد، ولديها مع بلاده اتفاقات أمنية يمكن أن تشكل مرجعية لمحاربتها القاعدة داخل أرضه.
أما التفسيرات فإنها جاءت، من الجزائر، وموريتانيا، والرأي العام المالي، وسكان الشمال من العرب والطوارق.
بالنسبة إلى الجزائريين فإنهم لم يخفوا استهجانهم ورفضهم لما عبر عنه توري، واستبعدت الحكومة الجزائرية وهي الأقوى في المنطقة أن تعبر الجانب المالي من الصحراء لملاحقة القاعدة. بينما رحب الموريتانيون عملياً بالدعوة المالية، وشنوا أول عملية واسعة النطاق ضد القاعدة على الأراضي المالية، في معركة جرت على بئر «حاسي سيدي»، شمال ولاية تنمبكتو التاريخية، وهي عملية انطلقت معظم الآليات العسكرية المشاركة فيها من الولاية نفسها، خصوصاً الطيران الذي شاهد السكان طلعاته من مطار المدينة.
وبالنسبة إلى الرأي العام المالي، فإنه اعتبر الإعلان الرئاسي «فضيحة نكراء»، ترجمت عجز الجيش المالي عن حماية أرضه. ودعت بناء على ذلك مؤسسات وأحزاب في المعارضة، المجتمع المدني في البلاد، للتفاعل مع المشكلة، والمشاركة في حل يضمن سلامة المدنيين في الشمال من اجتياح أي قوة أجنبية، تأتي لمحاربة القاعدة. وزاد هذا الرأي تأججاً وقوع ضحايا من المدنيين في المعركة التي نفذتها موريتانيا في ضواحي تنمبكتو.
أما السكان المحليون من العرب والطوارق، الذين كانت هذه الجولة بين أرضيهم، فإنهم ينظرون للإذن المالي على أنه مؤامرة جديدة تستهدفهم، قصدت منها حكومة بلادهم إلحاق الأذى بهم على أيدي أجهزة دولية أخرى. وإذا استنكر أحد من السكان ما يحدث، يقول أبكر محمد « اتهمته الحكومة بأنك تؤيد الإرهابيين، فتصفي بذلك مالي قضية العرب والطوارق العادلة في الشمال، وتشوه مطالبهم المشروعة، بذريعة وجود عناصر من القاعدة معزولين عن السكان في المنطقة».
غير أن هذا التحليل عكس ما يذهب إليه الرئيس المالي الذي نفى منذ البداية للصحافة الفرنسية، أن يكون لسكان شمال بلاده أي صلة بأفكار القاعدة «أكرر إن بلادي رهينة وضحية. هؤلاء الناس (عناصر القاعدة) ليسو ماليين. لقد قدموا من المغرب العربي بأفكار لا نعرفها».وأكد أن «المشكلة تكمن في نقص التعاون الإقليمي. فالكل يشتكي من جاره، والأعمال المعزولة محكوم عليها بأن تبقى موقتة».
إلا أن المحللين السياسيين يفسرون المخاوف المالية التي شاركت في كل اجتماعات قادة جيوش دول الساحل، بأنها تعود إلى اتفاقاتها المبرمة في 2006 مع عناصر من الطوارق، كان ضمن بنودها انسحاب كامل الجيش المالي من الشمال، والعودة إلى ثكناته العسكرية في الجنوب، والاكتفاء بأفراد قليلين في المراكز. وهذا ما يناقضه تماماً حشد عسكري في الشمال، يأتي لمحاربة القاعدة، كما يُعتقد.
لكن الأرجح أن الموقف المالي، جاء معرفة منها بخطورة القاعدة، وعدم استعدادها أمنياً لخوض مواجهة معها، على غرار الجزائر وموريتانيا. يساعدها في ذلك إعلانها أن المتورطين في التنظيم جميعهم من دول أخرى. أما سكانها الشماليون فإنها لم تحمهم من أي آفة، حتى تحمهم اليوم من القاعدة، أو محاربوها الأجانب!.
الحياة