تكلم الباحث الفرنسي بول مارتي فى كتابه الأنصار أو كل انتصر..
عن موضوع الرئاسة العامة لـ كل انتصر فى معرض حديثه عن القسم الغربيِّ لبلاد الانصار أثناء سرده لتاريخ الشخصيات القيادية فى ذلك القسم فاضطرّ إلى التقديم والتأخير أثناء حديثة..مما أحدث فجوات زمنية بين بين الفترات الأربع التي لا يمكن الحديث عن هذه المسألة إلا بأخذها بعين الإعتبار..وهي فترات زمنية غير متشابهة ولكنها متقاربة تقاربا عجيبا قد يُحتِّم على من لا يعرف بينها أو يتجاهلها أن يخلط بين الأحداث التي وقعت فيها فيقدِّم ويؤخر وينسب إلى فترة مَّا أحداث فترةٍ كانت قبلها أو العكس..
الفترة الأولى:فترة ما قبل الإستعمار وهي فترةٌ لها تاريخها وأحداثها ووقائعها التي لا تشبه التي تلتها إلا فى بعض الأمور..
الفترة الثانية:فترة المقاومة والصراع والجهاد ضد المستعمرين الفرنسيين وهذه فترة أخرى لا تشبه التي قبلها ولا التي تليها..
الفترة الثالثة:فترة بداية الإنقسام؛بسبب الحدود الجغرافية الشاسعة والظروف السياسة القاسية أثناء مقاومة المستعمرين الفرنسيين..وما تلا ذلك من أهوال..
الفترة الرابعة:فترة الإستقرار السياسي النسبي والجنوح للسلم من قبل الجميع بعد انتهاء الحرب وموت المقاومة التي ماتت بموت إنقونا رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
وهذه الفترات كاد بول مارتي أن يجعلها واحدة لسبب ما فلم يتمكن من الفصل بينها بشكل مناسب فقدم وأخر فى ذلك وتجاهل الناحية الشرقية من بلاد الأنصار حتى وصل إلى الصفحة كاد أن يكمل ربع كتابه والسبب فى ذلك واضح أن الفرنسيين إن شغلوا بالقشم الغربيِّ من البلاد وبمسألة إخضاع إنقونا ولهذا استطرد فى هذا المجال كثير حتى إته حين اضطرَّ إلى الحديث عن شرق البلاد لم يتحدث بنفس التفاصيل عن شرق قياداتها واكتفى إلى التلميح والربط بين الشخصيات الأنصارية وغير الأنصارية للوصول سريعا إلى مبتغاه وهو الحديث عن مسألة إخضاع شرق البلاد عامة وإخضاع جميع القبائل التي تقطن هذه المنطقة وخلط فى ذلك خلطا كبيرا وتحدث عن صخصياتها جملة وتفصيلها مع التركيز على بعض الأحداث المهمة عنده..
والشاهد أن هذه الأحداث كلها تعتبر من أحداث الفترة الثانية وبداية الفترة الثالثة تقريبا والتي اعتبرت هي فترة الإنقسام المريع..
والحديث عن هذا الإنقسام ذو شجون،وقد قسّم المستعمرون بلاد الأنصار بشكلٍ متعمّد بين شرق بلادهم وغربها وقسَّموا غربها أيضا بين شمالٍ وجنوب وتمكنوا بذلك من النيل منها جميعا والسيطرة عليها نهائيا..وقد أشار بول مارتي إلى ذلك فى سياق حديثه عن شخصية اللودا الذي يريده الفرنسيون خلفا لإنقونا حتى فى حياة إنقونا بل ويريدون ذلك أثناء حياة إنقونا ويرون فيه الحاكم الأعلى المثالي للأنصار بعد إنقونا ولكن هنا لديهم عدة مشاكل..
الأولى:أن الإنقسام لم يحصل بعد حينها..
الثانية:أن إنقونا لا زال هو القائد الأعلى لقوات الأنصار المجاهدة ضد الفرنسيين ولا زال الجيش فى كامل قوته..
الثالثة:هي أنهم يريدون مساعدة من اللودا الرجل العسكري المدرب للقضاء على الجيوش المجاهدة بقيادة إنقونا..
ولكن فيما يبدو من سياق كلام بول مارتي فإن اللودا لا يريد تقديم تلك المساعدة ولكنه لا يريد أيضا أن يخسر وظيفته كعسكريٍّ متدرّب على المدفعية فى الجيش الفرنسي..إلا أنه مستعدٌّ لقيادة معسكر السلام فى بلاد الانصار الغربية وهذا ما أشار إليه هنا بقوله:(اللّودا قد تركنا في صيف 1895م ليلتقي بإنقونّـا ، وقد أحسّ بأنّه غير محميٍّ ،والمفاجأة للعمليات البوليسيّة قد رمت إنقونّـا عند أولاد علّوش ، وأخذ اللودا وأتباعُه في سنة 1896م يبحثون عن إنقونّـا الذي كان بعيدا ،وتلاقى ـ أي اللوداـ مع رجالي على الميدان الممتدّ من "فاقبين" إلى تنبكتو ..وكان معروفا إلى ذلك التّاريخ أنّه مشرفُ القبيلة ومرشدُها ، ولكن دون الاستجابة له ، لأنّهم كانوا يأملون في إنقونّـا ، وبعد موت هذا الأخير في سنة 1898م كانت القبيلة كل انتصر والمسئول العام عنها قد انقسمت بعد الازدهار إلى قسمين مختلفين تماما:واحد في الجنوب ، وواحد في شمال تنبكتو ، صحيح أنها لا زالت تحت قيادة مشرف من نفس اختيارهم هو:إبراهيم بن حلاّيْ من وقت التفرّق لكل انتصر .)أ هـ ..
ونلاحظ هنا أن إنقونا وإبراهيم بن حلاي واللودا هم ثلاثة الأثافي الكبار المخضرمين الذين عاشوا فترة ما قبل الإستعمار وعاشوا كذلك فى الفترة الثانية أثناء مقاومة المستعمرين إلا أن الإنقسام بدأ ثلاثيا وواضحًا فى هذه الفترة وليس التي قبلها لأن هؤلاء الثلاثة الكبار اثنان جنحا للسلم وهما اللودا وبايَّ والثالث مال إلى الحرب وهذه هي بداية الكارثة الحقيقية للقبيلة(الإنقسام)وهذا بالضبط ما أراده الفرنسيون.وللعودة إلى الفترات الزمنية وما نحن بصدد الحديث عنه وهو موضوع الرئاسة العامة للقبيلة نلاحظ أن الفترة الأولى وهي فترة ماقبل الإستعمار فترة مهمة من تاريخ الأنصار وخصوصًا فيما يتعلق بالتكاتف والتعاون،وفي هذه الفترة لا زالت القيادة موحّدة متمثلةً فى ثلاثة مراكز عليا..
الأول:مركز شيخ القبيلة أو السلطان أو أمنوكال..
الثاني:مركز القيادة العسكرية والشئون الحربية..
الثالث:مركز القيادة العلمية وشئون القضاء ونحوها..
وما ضاعت القبيلة إلا حين أصبحت هذه المراكز شاغرة بسبب الفوضى التي أحدثها الفرنسيون حيث أنهم حاولو إلغاء المركزين الأول والثاني وأوهموا الناس أن(كنتو)هو صاحب الصلاحية الأول والأخير وله الحق فى اختيار حاشيته وجنوده وبهذا تم إلغاء النظام القبلي نسبيا وبقي منه فقط ما يتعلق بإصرار مجلس شيوخ القبيلة على أن تنصيب(كنتو)يبقى من صلاحيات القبيلة ولها الحق أيضا فى عزله من منصبه إذا استدعى الأمر..وإذا ركزنا على المركز الأول سنلاحظ وبكلِّ وضوح أن هذا المركز يتولاه الإبن الأكبر والأصلح لهذا المنصب من أبناء إنفا وهذا منقول بالتواتر عن أعيان القبيلة ومعترفٌ به لدى الجميع..
وهذا ما أشار إليه بول مارتي بقوله:(استلام مقاليد الحكم يتمّ أوّلا بتعيين القائد المتولي ، وبتصويت الجماعة ، والوراثة كانت قاعدة ، لكنّها ليست الوراثة الفرديّة ، ففي العائلة الواحدة كان الحكم يُورّث للشّخص الأحقّ به ـ أي الكفء ـ بعيدا عن الأولويّات والسّن وشجرة العائلة.)أهـ .. ورغم أن بول مارتي كان يتحدث عن الفترة الثالثة هنا إلا أنه أشار إلى ذلك بكلِّ وضوح أثناء حديثه عن شخصيات تلك الفترة ففي كلامه عن اللودا وأبنائه قال:(وَنْتَـا كان يساعد ويعين أباه في الخلافة أثناء حكمه ، وخاصّة في أيّامه الأخيرة ، حينما كان اللُّودَا ضعيفا جدّا ، وعند وفاة والده كان مرشّحا لخلافته ، لكن ولسوء الحظّ ، ورغم دفاعه عن هذا المنصب تمّ تنصيب الطّاهر من طرف مجلس شيوخ القبيلة الذي كان يسمى"الجماعة"، وبعد ذلك انسحب بروح رياضيّة ، وعاش في وسط عشيرته هادئا بعيدا عن كل الاضطرابات.)أهـ..
الأربعاء يونيو 03, 2009 12:36 pm من طرف محمد الأنصاري