مقدمة
لقد وضع الإسلام منهجاً قويماً لبناء الأسرة المسلمة وأقام سياجاً منيعاً لحماية تلك الأسرة من عوامل الضعف والتفكك، واليوم الأسرة المسلمة في عصرنا الحاضر تعاني من كثير من عوامل تفكك الترابط الأسري وكثير من الأخطار التي تهددها وقد تعصف بكثير من الأسر، فما هي الأسس التي وضعها الإسلام لبناء علاقات أسرية سليمة صحيحة وكيف نحمي الأسرة المسلمة المعاصرة اليوم من تلك الأخطار، هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في حلقة اليوم من برنامج المنتدى وقد نفرد الحلقة التي تليها على نفس الموضوع.
لاشك أن الأسرة هي النواة الأولى واللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي وبناء الحياة الإسلامية، الأسرة هي أساس المجتمع وفي ظلال الأسرة يتربى الفرد الصالح وتنمو المشاعر الصالحة، مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة ويتعلم الناس التعاون على الخير وعلى البر في ظل الأسرة، ولذلك أول أساس بنى عليه الإسلام الأسرة يبدأ بحسن الاختيار، كيف يختار الرجل الزوجة الصالحة وكيف تختار المرأة وأولياؤها معها الزوج الصالح، أول أساس هو هذا، الناس يخطئون حين يسيئون الاختيار، فالرجل حينما يريد أن يتزوج يبحث مثلاً عن المال أو عن النسب أو عن الحسب، لا مانع أن يبحث عن هذا، إنما ينبغي أن يكون نصب عينيه الدين والصلاح، ولذلك جاء في الحديث الصحيح "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" وجاء "تُنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" صحيح أن الواحد ممكن أن يبحث عن الجمال وعن المال والحسب والنسب، إنما اظفر بذات الدين هذه هي الكنـز العظيم، هذا أول ما ينبغي للمرء أن يبحث عنه المرأة الصالحة، وخصوصاً أن هذه المرأة ستورِّث أبناءها منها، بحكم الوراثة وبحكم البيئة والتربية، ولذلك جاء في الحديث الآخر "تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس" أو إن "العرق نزَّاع" وفي الشعر العربي يقول الأب لأولاده:
لماجدة الأعراق بادٍ عفافها
| وأول إحساني إليكم تخيُّري |
فهو يقول لهم أنني أول شيء أحسنت إليكم به أنني اخترت لكم أماً صالحة، هذا عمل عظيم، أول ما يمن به الإنسان على أولاده أنا اخترت لكم الأم، فهذه من ناحية الرجل كيف يختار الزوجة الصالحة التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر وتحفظه إذا غاب (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) فهناك امرأة تكون نعمة وأخرى تكون مصيبة ونقمة، إذا دخلت عليها سبَّتك، وإذا غبت عنها خانتك والعياذ بالله فهذا أول شيء، ومن ناحية المرأة يجب أن تختار أيضاً الرجل الصالح والزوج الصالح وكذلك أوليائها معها يشاركونها في هذا الأمر، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" زوِّجوا الرجل ذا الدين، وكما قال بعض السلف "إذا زوَّجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها" حتى في حالة البغض لا يظلمها لأنه يخاف الله، والذي يخاف الله لا تخشى منه، فزوِّجها ذا دين، ولذلك قال الشعبي وهو من أئمة التابعين: "من زوَّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها". فهذا أول أساس من الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة، أن يحسن الإنسان الاختيار وبعد ذلك ينبغي أن تبدأ الحياة الأسرية بالتيسير لا بالتعسير، الناس يعسِّرون ما يسَّر الله عز وجل، ويصعِّبون ما سهَّله الشرع، ويعقِّدون الأمر البسيط، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أكثرهن بركة أيسرهن مهراً" ونحن نغالي في المهور ونغالي في الولائم ونغالي في التأثيث، ونعسِّر على أنفسنا، فيترتب على ذلك أن يصبح الزواج عبئاً لا يقدر عليه إلا أصحاب الأموال، والشاب العادي الذي يبدأ سلم الحياة من جديد لا يقدر على هذا، مَن الذي ألزم الناس بهذا؟ الناس ألزموا أنفسهم ما لا يلزمهم الله به، كان الزواج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة وفي عهد السلف أمراً سهلاً، الآن لم يعد أمراً سهلاً، النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج فاطمة رضي الله عنها أحب بناته إليه زوَّجها من عليّ بن أبي طالب ماذا أمهرها عليّ؟ ماذا دفع مهراً لها؟، دفع لها درعاً، درعه وكان اسمه درع الحطمية، بالله عليك ماذا تفعل المرأة بالدرع هل تحارب به؟ إنما هي شيء رمزي، وماذا كان جهاز فاطمة وأثاثها كان أشياء بسيطة، رحى وأشياء أخرى بسيطة، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فالمهر يجب أن يكون سهلاً، والوليمة تكون على حسب قدرة الشخص، الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم لو بشاة" لأن عبد الرحمن بن عوف تاجر وربنا فتح عليه، إنما لو واحد لا يستطيع أن يذبح شاة فليذبح بطة أو دجاجة أو يشتري كم رطل لحمة، فنحن الآن نبدأ الحياة الزوجية بأن الإنسان لا يقدر على هذه الأشياء فيستدين، فيدخل الحياة الزوجية وهو مدين والدين هم بالليل ومذلة بالنهار، لماذا نرهق أنفسنا والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، ثم من ناحية أخرى ينبغي أن تبدأ الحياة الزوجية بتبادل الحقوق والواجبات، الحياة الزوجية حقوق متبادلة وواجبات متبادلة على كل من الزوج والزوجة.
مشاهد من العين
سؤالي يتعلق بحقوق الأبناء على آبائهم، نلاحظ في أيامنا هذه أن بعضاً من أبناء هذه الأمة يسمون أولادهم بأسماء إما أن تكون مخالفة للإسلام وإما أن تكون أسماء أجنبية وإما أن تكون أسماء فيها دلع، فنسمع عن أسماء أبناء مثل عبد النبي وكذلك نابليون، وكذلك أسماء بعض الناس مثل جمال يدلعونه بجوجو، وسوسن يدلعونها سوسو، فما هي النصيحة التي يوجهها فضيلة الشيخ لأمثال هؤلاء من أبناء هذه الأمة ؟
وسؤال: هل يجوز للمسلم أن يسمي ولده باسم مؤمن وجزاكم الله خيراً.
القرضاوي
من حق الولد على والده أن يحسن تسميته، يعني أن يسميه باسم حسن، بعض الناس يسمون أسماء أولادهم تسميات خشنة، وكان العرب قديماً يفعلون هذا، يسمون غلمانهم وخُدَّامهم بأسماء طيبة، سرور ورزق وفرج وجوهر، ويسمي ابنه فهد وسبع وكلب ونمر، وقيل لبعضهم لماذا تسمون خُدَّامكم وعبيدكم بهذه الأسماء، قالوا نحن نسمي عبيدنا لأنفسنا ونسمي أبناءنا لأعدائنا، حتى نناديه في الحرب يا أسد يا ليث يا فهد اهجم، فيخوِّف الأعداء، إنما الإسلام جاء وأراد أن يسمى الأولاد التسمية الحسنة بأسماء الأنبياء، إبراهيم وموسى وعيسى وإسماعيل، ومحمد وأحمد وحامد، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" ويدخل فيها أيضاً ما عُبّد من الأسماء عبد العزيز وعبد الرحيم وعبد السميع ..الخ، وهناك ناس يقولون أن الحديث هو "خير الأسماء ما حمّد وعبّد" لم يرد هذا الحديث إنما هناك "تسموا بأسماء الأنبياء" وأيضا "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء حارث وهمّام وأقبح الأسماء حرب ومُرَّة" وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الحرب، الناس تقول أن محمد هذا كان سفاكاً ويمسك السيف ويقتِّل الناس، أبداً ما كان هكذا حتى كان يكره اسم حرب، والله تعالى عقّب على غزوة الخندق (غزوة الأحزاب) (وكفى الله المؤمنين القتال)، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال)، فالمسلمين ما كانوا يحبون الحرب، (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) وقال عن صلح الحديبية (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) فالأسماء حرب ومُرَّة لما فيها من الحرب والمرارة غير محبوبة، إنما كان يحب الأسماء اللطيفة، ولكن هناك بعض الأسماء فيها مدح ففيها نوع من الكراهية مثل مؤمن، ولكن هذه كراهية تنـزيهية، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تسمي ابنك أفلح ولا يساراً" ومع هذا المسلمون سموا أفلح وسموا يسار وسموا بَرَّة، وإن كان فيها كراهية، فهذه الأسماء محمولة على الكراهة التنـزيهية، وهناك أسماء أعجمية مثل اسم نابليون الذي جاء واحتل ديارنا مثل الذين يحتفلون الآن في مصر بذكرى الحملة الفرنسية أي بذكرى الاحتلال، أول حملة جاءت لتحتل بلاد العرب والمسلمين وهي الحملة الفرنسية، نحتفل نحن بهزيمتنا فكيف نسمي اسم نابليون، وهناك شخص سمى ابنه لهب وذلك ليقال له أبا لهب وهو اسم من أسماء الجاهلية، وربما آخر يسمي جهل لنقول له يا أبا جهل، وينبغي أن نسمي بالأسماء الجيدة وسيجد الناس في اللغة العربية الكثير من الأسماء، فهناك أناس تسمي بالمصادر مثل إقبال وإحسان وإلهام وإكرام وكذا، ولكن بالنسبة لتدليع الأولاد في الصغر لا مانع منه، فلا مانع أن نسمي سوسن سوسو وأن يسمي شريفة شوشو، هذه الأسماء إلى سن معينة، إنما لا يسمى شخص كبير بالغ باسم شوشو أو جوجو أو كذا، إنما فقط في حالة الصغر ثم عندما يكبر نسميه باسمه العادي، أو يفعل كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يكني الأطفال بأبا عمير، إنما العرب عندهم نداء اسمه الترخيم، فينادون مالك بـ يا مالِ أو أبا هر وذلك بحذف آخر الكلمة كنوع أيضاً من التدليل ومثل ذلك تصغير التمليح عند العرب كانوا يصغرون من باب التمليح، فهذا لا بأس فيه فلا يجب أن نشدد في كل شيء.
مشاهد من الجزائر
بالنسبة للأب والأم إذا كانوا لا يعيشون مع أبناءهم هل هذا يؤدي إلى التفكك الأسري.
بالنسبة لدعاء "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" فأنا مصاب بمرض منذ صغري واشتد عليّ المرض هل يمكنني الدعاء به؟ وما هو مفهوم هذا الدعاء.
وبالنسبة للصلاة حيث أنني مريض وأجتنب بكثرة ولا أستطيع أن اغتسل دائماً فهل أستطيع أن أتيمم بعض الأيام وأغتسل في أيام أخرى، وجزاكم الله خيراً.
المقدم
بالنسبة للسؤال الأول حسب ما فهمته كيف يمكن أن تتكامل التربية إذا كان الأب والأم لايعيشون مع أبنائهم في الصغر؟
القرضاوي
في الصغر هذه العملية صعبة المفروض في حالة الاختيار أن يكون الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم على الأقل مع أحد الأبوين فلو فرض أن الأب كانت ظروفه صعبة واضطر إلى أن يهاجر من أجل الرزق كما يفعل كثير من الناس تضيق بهم معايشهم في أوطانهم فيضطرون للهجرة إلى بلاد أخرى فيبقون الأولاد مع أمهاتهم وأخوالهم ورعاية أقاربهم إنما أن يكون الأبوين بعيدين عن أولادهما في حالة الصغر هذه عملية فيها خطورة كبيرة وأين المسؤولية إذن "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فوجود الأبوين مع الأولاد هذا هو الأصل، وهذا هو أساس المسؤولية حتى يكون الأولاد تحت نظر الأبوين ويعرفان مدخلهم ومخرجهم ويقظتهم ونومهم ونجاحهم ورسوبهم، ويشرفان على أولادهم، فالأصل لا يجوز أن يبتعد الوالدان عن أولادهم، وإذا اضطر أحد الوالدين مثل الأب للسفر واضطر إلى الغربة فالأولاد يكونون في رعاية الأم وعلى الأب أن يشرف على أولاده من حين لآخر وهذا للضرورة.
بالنسبة للسؤال الثاني وهو الدعاء الذي ذكره فهذا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بعض الناس قد يدعو الله فيقول يا رب أرحني وخذني إليك ويتمنى الموت، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ولا محالة فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" فلا يدعو الله بالموت ولا يتمنى الموت، فإن أحداً لا يعرف أيهما أفضل له موته أم حياته هذا أمر موكول إلى علم الله عز وجل، فالإنسان يسلم أمره إلى الله يقول: يا رب إذا كانت الحياة خيراً لي ابقني حياً وإذا كانت الوفاة خيراً لي توفني إليك، هذا هو المأثور أن يدعو عند الضر الذي ينـزل به فلا ييأس ويقول يا رب خذني إليك وأرحني، وإنما يدعو بهذا الدعاء.
وبالنسبة لسؤاله الأخير عن أنه يريد أن يتيمم أحياناً ويغتسل أحياناً أخرى من الجنابة، أنا لا أعرف هل هذا من قلة الماء أم أن الماء يؤذيه، أم هل الحركة عليه صعبة فأنا لا أدري بالضبط، إنما على كل حال عند الضرورة إذا كان هناك ضرورة يمكن أن يتيمم، فالتيمم يجزي عن الغُسل وهو أدرى بضرورته، إنما الأصل أنه مادام الماء موجوداً فعليه أن يغتسل ولكن إذا ضره الغسل كما أفتى بعض الصحابة لرجل أصابته جراحة فقالوا له اغتسل فاغتسل ومات بهذه الفتوى الجاهلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "قتلوه قتلهم الله، هلّا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العلِّ السؤال إنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه ويتيمم ..مشاهدة من ليبيا
هل طاعة الأم أم الزوج ترضي الله، وهل مرض الأطفال الذكور وموتهم غضب من الله وعقوبة في الدنيا قبل الآخرة؟ وهل الغربة مع الزوج والابتعاد عن الأهل والأقارب فيها أجر؟
المقدم
سؤالها الأول يجرنا إلى أن نسأل أيهما مقدم طاعة الزوج أم طاعة الأم وما هو الحد الفاصل بينهما؟
القرضاوي
طاعة الوالدين واجبة حتى تتزوج المرأة، إذا تزوجت المرأة أصبحت طاعة الزوج هي الأوجب، ومقدمة على طاعة الوالدين ولا ينبغي للأب أو الأم أن يتدخلا في حياة ابنتهما بعد الزواج ويأمرانها فما عاد الأمر لهما، هذا خطأ من الأبوين حينما يتدخلان في حياة ابنتهما ويصدران إليها أوامر والزوج يصدر لها أوامر، هو يقول لها شرِّقي وهما يقولان لها غرِّبي، فأيهما تطيع، هي حينما تتزوج أصبحت جزءً من حياة جديدة غير الحياة القديمة، فطاعة الزوج هي الواجبة والله تعالى يقول: (الرجال قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) فهذا ينبغي أن يعلمه الأبوان، ولكن ليس معنى هذا أنها تجافي أبويها أو تقاطعهما أو تعقُّهما لا، وينبغي على الزوج أن يحاول أن تظل صلة زوجته بوالديها صلة حية وحسنة ويؤكد الصلات، لأن الله جعل الزواج وشيجة جديدة هي المصاهرة (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً) فلابد من هذه الرعاية، فطاعة الزوج أوجب.
بالنسبة لسؤالها الثاني أنا لا أدري لماذا حددت الذكور بالذات وليس من الضروري أن يكون مرض الأطفال عقوبة من الله سبحانه وتعالى، كثيراً ما يكون هذا ابتلاءً من الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاءه وإن كان في دينه رِقَّة ابتُلي على قدر دينه، وما يزال البلاء ينـزل بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"، فليس من الضروري أن يكون هناك صلة بين ابتلاء الأولاد بالأمراض أو ابتلاء الإنسان بالأمراض وبين أن تكون عقوبة، فقد يُبتلى الإنسان على ذنب فعله، ويكون هذا تطهيراً له أو يكون هذا نعمة من الله أن يخفف عنه في الدنيا بدل أن يدخر كل هذا إلى الآخرة، وقد يكون هذا بلا شيء، بعض الناس كما قال الله لنا في سورة البروج عن المؤمنين الذين خُدَّت لهم الأخاديد ووضعت فيها النار ورموا على النار (النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود * وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) ما لهم ذنب إلا أنهم آمنوا بالله كما قال الله عن الصحابة (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله) فليست كل البلاءات بأسباب العقوبة.
وبالنسبة لسؤالها الأخير نعم يؤجر المرء إذا كانت غربته في عمل صالح ومن العمل الصالح أن يغترب ليوسع على نفسه وعلى أهله، ضاق رزقه في بلده فساح في الأرض (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا فإذا ساح في الأرض وسافر لطلب العلم أو لطلب الرزق أو لطلب الأمن فأحياناً يكون الإنسان مضطهداً في بلده فهو يبحث عن بلد آخر يأمن فيها فكل هذا عمله مشروع ولو مات في هذه الغربة فهي فيها نوع من الشهادة ويحسب له من موطن ميلاده إلى موطن موته يقاس له فهذا كله من فضل الله تبارك وتعالى على الإنسان في غربته.
مشاهد من أبو ظبي
نحن نعلم حق العلم أن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاملة متكاملة، والأمور المتعلقة بتكوين الأسرة وتربية الأطفال مفصلة تفصيلاً واضحاً في القرآن والمطلوب من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي أن يوضحها لنا مرقمة، فالمفروض عند اختيار الزوجة يكون كذا، عند ولادة الطفل يكون كذا وتربية الأطفال تكون كذا، حتى نخرج من الهموم التي نحن فيها والأسر كلها تعاني منها من تشتت ومن طلاق ومن أبناء يعيشون بسبب الفرقة وخلافه وشكراً جزيلاً.
القرضاوي
ما يطلبه الأخ موضوع طويل الذيول موضوع تربية الأولاد في الإسلام وهذا موضوع كبير، الشيخ علوان عمل كتاب في جزءين اسمه "تربية الأولاد في الإسلام" لعلنا نفرد بعض الحلقات لهذا الموضوع، إنما أنا أقول أن هذا يبدأ كما قلنا في أول الأمر وهو حسن اختيار الأم ثم يبدأ قبل الولادة حتى الآن علماء النفس يقولون أن الحالة النفسية للأبوين والحالة الاجتماعية لهم تؤثر على الجنين، فحينما يكون الزوجان في حالة هدوء نفسي وفي حالة استقرار وانسجام ومحبة هذا يؤثر على الجنين، لو أن هناك حالة عكننة مستمرة والعياذ بالله وصراع ونزاع وحرب دائمة يؤثر على الجنين، الإمام ابن القيم له كتاب اسمه "تحفة المودود في أحكام المولود" فعندما يأتي المولود يجب أن يؤذَّن في أذنه اليمنى ليكون أول ما يسمعه لا إله إلا الله، فمن المفروض أن تكون كلمة التوحيد هي أول كلمة يسمعها الإنسان وآخر كلمة يسمعها الإنسان، يستقبل حياته بكلمة التوحيد ويودع حياته بكلمة التوحيد "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" فأول ما يسمع "لا إله إلا الله" وآخر ما يسمع "لا إله إلا الله" ويعيش ما بين الأول والآخر أيضاً يحيا في ظلال "لا إله إلا الله" وفي رحاب "لا إله إلا الله" في رحاب التوحيد فهذا إيعاز وإشعار للطفل فنقول له هل تعلم أول كلمة سمعتها ما هي؟ لقد كانت كذا يا بني. ويحسن في اسمه ويتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة ويعق عنه بعد أسبوع أي في اليوم السابع يذبح عنه ذبيحة ويبحث عن حضانته أو إرضاعه (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ويستمر في الرعاية له في الصغر يلاعبه ويلاطفه حتى وهو صغير كما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب هذا الصغير ويقول له "يا أبا عمير ما فعل النغير" النغير أي العصفور، فهو يقول له ماذا حدث للعصفورة التي عندك، وكان يعطيه كنية لطيفة، وكان صلى الله عليه وسلم يوطئ ظهره للحسن والحسين ليركبا، هكذا تبدأ الحياة، دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه يقبِّل طفل، قال: أوتقبلون صبيانكم والله إن لي عشراً من الولد ما قبَّلت واحداً منهم، فقال: "أو أملِك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك" نحن نريد التربية بين طرفين بين القسوة والتدليل، هناك أناس قساة على أولادهم، غلاظ الأكباد، لا يقبِّل الولد ولا يلاعبه ولا كذا هذا لا يصلح، هناك أناس يدللون أولادهم ويتركون لهم الحبل على الغارب، كل ما يطلبه الولد ينفذه له، كل ما يشتهيه يحضره له، هذا إفساد أيضاً، فالتربية هي المنهج الوسط بين القسوة والتدليل، ثم يتابعوا أمروهم بالصلاة وهم أولاد سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وهكذا التربية مستمرة.
مشاهدة من أمريكا
بالنسبة للناحية المادية بين الرجل وزوجته، نعرف أن كثيراً من الزوجات يعملن الآن، فما هو حق الرجل من راتب زوجته، وبالنسبة للآية التي تقول (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) ما معنى (وللرجال عليهن درجة) هل تعني أنه هو المسؤول عن الناحية المادية أو أن لهن تفسيراً آخر وجزاكم الله خيراً.
القرضاوي
المفروض أن الزوج هو المسؤول عن الإنفاق على الأسرة، حتى ولو كانت الزوجة غنية، لو تملك الملايين فالزوج هو المسؤول عن النفقة، الله تعالى يقول (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) فالرجل هو الذي ينفق ويدفع المهر، هو الذي يكلَّف النفقة، إلا في حالة العجز فهناك بعض المذاهب تقول: إذا عجز الرجل والمرأة الغنية تنفق عليه لأن الحقوق متبادلة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ولكن إذا كان خروج المرأة للعمل كما في عصرنا المرأة موظفة وخروجها يكلِّف الزوج في هذه الحالة يمكن أن تساهم في نفقة البيت، أو كان الزوج محتاج، ففي عصرنا في كثير من البلاد الزوج يتزوج الزوجة الموظفة ليتعاونا جميعاً في تكوين بيت مسلم، فلأن الرجل لا يستطيع وحده أن ينفق على الأسرة ولا الزوجة وحدها فهما يتفقان، إذا اتفقا من أول الأمر على شيء معين وأنا أرى في هذه الحالة أن المرأة يكون عليها الثلث والرجل يكون عليه الثلثان، لأن الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك في الحقوق، وكذلك في الواجبات، يعني الغُنم بالغُرم والغُرم بالغُنم، فالمرأة يكون عليها الثلث والزوج الثلثان في حالة احتياج الزوج إلى هذا الأمر، أما قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) الآية تقرر أن الحقوق والواجبات متبادلة بين الطرفين، النساء لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات (وللرجال عليهن درجة) لها تفسيران، تفسير الإمام الطبري يقول: أي أن الرجال مطالبون بالأعباء والتكاليف أكثر من المرأة، وتفسير آخر يقول: أن الدرجة المقصود بها هنا درجة القوامة على الأسرة، المسؤولية عن الأسرة، درجة الرجال يشير إليها قوله تعالى (الرجال قوَّامون على النساء)، فالرجل هو المسؤول عن الأسرة أي درجة المسؤولية عن الأسرة.
مشاهدة من ليبيا
أود أن أسأل بالنسبة للناحية المادية هل الأب مضطر لأن يصرف على أبنائه ـ الأولاد والبنات ـ حتى لو كان كل واحد منهم أتم دراسته ولكل منهم مجال عمل، والأب يقول أنهم من المفترض أن يصرفوا على أنفسهم؟
القرضاوي
إذا استقلّوا بأنفسهم وأصبح لهم وظائف ومرتبات تكفيهم، فلم يعد الأب مسؤولاً عنهم إلا من باب التبرع ومن باب الرعاية الأبوية، إذا كان الأب من المليئين والأثرياء ويرى أولاده مرتباتهم ضعيفة، ولا تجعلهم في مستوى مثل مستواه هو، فيعطيهم ليرفع مستواهم، هذا لا مانع منه، فهو لا يُلزم بذلك شرعا إلا بما يتمم لهم كفايتهم المعتادة لأمثالهم.هذا يختلف من عصر إلى آخر، كانوا زمان يقولون إذا بلغ الولد الاحتلام أو بلغ 15 سنة، إنما في عصرنا لم يعد البلوغ كافياً، فيقول إذا أتم دراسته حسب المعتاد في عصرنا، إذا أتم دراسته وتخرج أصبح ملك نفسه، وأصبح هو مسؤولاً عن نفسه وليس على والده إلا من باب أن يحاول أن يرفع من مستواه ومن باب أن يساعده مساعده أبوية ولكنه لا يلزم بذلك.
النفقة على الوالدين والنفقة على الأقارب بصفة عامة هذا من التكافل الذي فرضه الإسلام، الإسلام جعل لأبنائه حقاً في الكفالة المعيشية التي تجعل الإنسان يعيش في المجتمع المسلم غير ضائع، وأول ألوان التكافل هو التكافل الأسري، تكافل أبناء الأسرة بعضهم مع بعض، أن يكفل الزوج زوجته، وأن يكفل الأب أولاده، وأن يكفل الأولاد أباهم حينما يكبر ويقل معاشه، ينبغي أن يكفلوا أباهم، يحققوا له ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، بل قالوا حتى يزوِّجوه، افرض ماتت زوجته وهو يحتاج إلى زوجة فيزوجوه، كذلك الأخ وأخوه والقريب وقريبه بشرط أن يتحقق إعسار القريب ويسار الآخر، وقدرته وهذا من فضائل ما جاء به الإسلام أن يجعل على القريب، أن ينفق على قريبه المحتاج، في المجتمع الغربي لا يوجد فيه مثل هذا، حكى لنا شيخنا الشيخ الدكتور محمد يوسف موسى رحمه الله عندما كان يدرس في فرنسا، قال: كانت تخدمنا فتاة فرنسية يبدو عليها أنها ذات أصل يعني فتاة ليست عابثة، ولا لعوباً تأتي تعمل شغلها وتمشي، فسألوا عنها فقالوا هذه عمها صاحب المحلات الكبرى الموجودة في كذا فقالوا لها: هل عمك فلان؟ قالت: نعم، قالوا لها: ولماذا تخدمين في البيوت وعمك يملك هذه الأموال؟ قالت: عمي غني أنا لست غنية، قالوا لها: ارفعي عليه دعوى، قالت: وأي دعوى وهل عندكم أنتم هكذا؟ قالوا لها: نعم، لو عندنا إنسانة مثلك وعمها غني ترفع عليه دعوى في المحكمة، والمحكمة توجب على عمها أن ينفق عليها، قالت: لو كان هذا عندنا ما رأيتم هذه الجيوش الجرارة من النساء تشتغل، المرأة لم تخرج إلى العمل رغبة في العمل، ولكن لأنها لو تركت لماتت جوعاً، فهذا هو مجتمعنا وهذا هو مجتمعهم.
مشاهد من السعودية
زوجة تعمل مع زوجها في أحد الدول العربية، وكانت تدفع جزء من راتبها بعملة البلد إلى زوجها للمساهمة في بناء منزل، وتم بناء المنزل، بعد عدة سنوات حصل خلاف بين الزوج والزوجة، والزوجة تطالب زوجها برد ما دفعته له مساهمة في بناء هذا المنزل، فهل يجوز لها أن تطالبه مرة أخرى برد ما دفعته مساهمة في بناء هذا البيت، وإذا كان من حقها أن تأخذ المال الذي دفعته هل تأخذه بنفس القيمة السابقة للعملة أم قيمتها الحالية؟ وشكراً.
القرضاوي
أنا أقول أنه يكون للزوجة في البيت بمقدار ما دفعت، نفرض أن البيت بعشرة آلاف وهي دفعت ثلاثة آلاف يكون لها في البيت 0.3 هذا هو العدل وكثير من الأزواج يطمعون في زوجاتهم وبعض الأزواج يحرِّم على امرأته أن يكون لها حساب باسمها في البنك ويأخذ هو راتبها كله، هذا لا يجوز (للرجال نصيب بما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) من أعدل ما جاء به الإسلام أنه جعل للمرأة ذمة مالية مستقلة، يعني ليست ذمتها هي ذمة زوجها، أو أن كل شيء يدخل في ذمة زوجها، لا بل هي لها ذمة مالية مستقلة، تملك كما يملك الزوج وتتصرف كما يتصرف الزوج، فإذا ملكت شيئاً بكسبها من مشروع يجب أن يدخل في حسابها، إذا ساعدت الزوج في بناء بيت أو في شراء عقار يجب على الزوج إذا كان رجلاً عدلاً يكتب لها بمقدار كذا، لا أحد يعرف ماذا يجري في الزمن لعلهما الآن في حالة طيبة، ولكن قد يتغير الزوج قد تمرض الزوجة قد يموت أحدهما، فحفظا للحقوق يجب أن يعطى كل ذي حق حقه.
المقدم
ولكن في هذه القضية لو وهبت زوجها هذا المال مساعدة له، كيف ترجع في هذه الهبة؟ فهي ساهمت في بناء بيت لهما.
القرضاوي
ها قد قلت أنت بنفسك "لهما"، وليس له فهو للأسرة وهي جزء من الأسرة فهو يكتب هذا البيت باسمها أو باسم الأسرة، العدل أن يكتبه باسمهما، وهي من حقها أن تطالب بحقها في المنزل فأحيانا المرء يرجع عن هبته ولو كان هذا مكروهاً، ولكن هل ما دفعته كان هبة أو مساهمة، فهناك فرق بين المساهمة و الهبة، المساهمة أن تضع هذا المال سهماً في هذا البيت فالمساهمة مشاركة، أرى أن الزوج عليه أن يرضي زوجته وأن يعطيها ما أعطته بالعدل وبقيمة العملة في ذلك الوقت وقت الدفع له.
مشاهد من العين
بالنسبة لما يفعله بعض المسلمين من أعياد ميلاد للأطفال، ويحتفلون ويدعون ويختلطون رجالاً ونساءً ويضعون الأطباق والحلوى ويغنون ويرقصون، ويعبرون بكل ذلك عن فرحتهم بهذا الطفل، فما رأي الشرع في ذلك وبخصوص عيد الأم أيضاً؟
القرضاوي
بما أن الوقت ضيق فلن نستطيع إعطاء الموضوع حقه، والسؤالان مهمان عن عيد ميلاد الأطفال، وعن عيد الأم بشكل عام، فنجد الآن رجالاً ونساءً كباراً يحتفلون بأعياد ميلادهم، ما قيمة هذا هل هذا أمر مشروع أم غير مشروع، وكذلك ما يسمونه عيد الأم ونحو ذلك، ما الحكم في ذلك أعتقد أن القول ذو سعة في الأمرين نرجئهما إلى الحلقة القادمة إن شاء الله نوفي الموضوعين حقهما.
الإثنين يونيو 07, 2010 8:31 pm من طرف محمد الأنصاري