الاتحاد :
معظم مسلميها يتبنون النسخة الصوفية المتسامحة
مالي وخطر «الراديكالية» في شمال أفريقيا
|
|
|
آخر تحديث: الثلاثاء 22 ديسمبر 2009 الساعة 10:20PM بتوقيت الإمارات
كارين بروليارد
الرمال الصحراوية الممتدة إلى الشمال من تمبكتو هذه المدينة الأسطورية، التي ظلت لقرون طويلة معبراً تجارياً ومفترق طرق ثقافية، حملت العام الماضي إشارات مقلقة، على أن الصحراء يمكن أن تساعد على جلب نسخة متطرفة وعنيفة من الإسلام، إلى هذه الأجزاء المعتدلة من غرب أفريقيا. فقد شهدت تلك الصحاري زيادة ملحوظة في عدد الهجمات، التي شملت قتل مدرس أميركي، وهجوما انتحارياً في موريتانيا، وإعداما لسائح بريطاني، وعقيدا "مالياً" في مالي. وكل هذه الهجمات نُسبت إلى فرع لـتنظيم "القاعدة"، يتكون في معظمه من جزائريين، تمدد في اتجاه الجنوب لكي يضرب في المدن الموريتانية، ويؤسس قاعدة خلفية في الصحراء "المالية".
لاتزال مالي تفتخر باعتدالها الديني، ومعظم الناس هنا يصفون النسخة المتطرفة من الإسلام بأنها غريبة على البلاد لحد كبير، ومفرطة في وحشيتها، إلى درجة تدفعهم لعدم قبولها. ويقول مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية - مشيرا إلى الجماعة المتطرفة المعروفة باسم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي":" لا تجد أفكار هذه الجماعة رواجاً لدى السكان المحليين". ولكن هذا المسؤول يؤكد"أن المشكلة قد تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالذات في السنة الأخيرة، لدرجة أصبحت تستدعي اهتماماً خاصاً".
حتى الآن، أثبت الحزام الصحراوي الفاصل بين أفريقيا العربية وأفريقيا السوداء، أنه عائق أمام تمدد الإسلام الجهادي جنوبا أكثر مما هو طريق مرور.
في مالي تنتشر صور أوباما في كل مكان، وتندر المشاعر المناوئة لكل ما هو أميركي، ويعتبر عدد النساء اللائي يرتدين الحجاب قليلا.
يقول "محمود ديكو" رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى"، الذي يشرف على الجماعات الدينية في العاصمة باماكو:"نحن لا نريد جمهورية إسلامية، ولا نريد تطبيق الشريعة، ولا قطع أيدي الناس". ويقول الدبلوماسيون الأجانب العاملون في مالي، إن النسخة الصوفية المحافظة اجتماعياً، والمتسامحة من الإسلام، هي النسخة السائدة في هذا البلد، وأن المشكلة تكمن في كون صفوف الأئمة الأجانب آخذة في الزيادة، وأنه ليس للحكومة من نفوذ يذكر على ما يتم تعليمه في المساجد، وما يُلقى فيها من خطب ودروس.
من ضمن المشكلات التي يمكن أن تساعد على امتداد الإسلام المتطرف إلى هذه المنطقة، أن الجيش الوطني لم يفعل سوى القليل في مجال تحدي المتطرفين، الذين يعبرون الحدود الصحراوية بسهولة دون أن ينتبه إليهم أحد. أما التدريبات العسكرية التي يقودها الأميركيون، والتي تتم على فترات متكررة في هذا البلد، فهي مخصصة في الأساس لبناء القوات المسلحة "المالية" في إطار برنامج كلفته 500 مليون دولار، ومدته خمس سنوات مخصص لمكافحة الإرهاب، وتشارك فيه ما لا يقل عن عشر دول من دول المنطقة. وقد ثبت من خلال التجارب أن تلك التدريبات لم يكن لها تأثير يذكر، ولم تؤد إلى زيادة كفاءة الجنود بالشكل الذي كان متوقعاً منها على حد قول أحد الدبلوماسيين الأجانب في باماكو. في الوقت نفسه، يقول محللون إن روابط جماعة "القاعدة في المغرب الإسلامي" بتنظيم "القاعدة" الأم، هي روابط خطابية في معظمها، وأن هذا التنظيم ليس لديه سوى قدرة محدودة على الضرب خارج المنطقة التي يتواجد فيها، أو تقويض الحكومة في مالي، على الرغم من حقيقة أن الانقلاب الأخير في موريتانيا المجاورة والانتخابات الصورية التي جرت في النيجر قد ساعدا على ترسيخ حالة عدم الاستقرار السائدة في الإقليم.
والجزء الأكبر من تمويل التمرد الصحراوي يأتي من خطف السائحين الأجانب، والمطالبة بفدية مقابل إطلاق سراحهم، مما دفع بعض المحللين للاعتقاد بأن هذا التنظيم هو عصابة تسعى إلى المال أكثر من كونه فصيلا أيديولوجياً تابعاً للقيادة التي لا تزال مقيمة في الجزائر.
لكن الشيء الذي لا يختلف هؤلاء المحللون بشأنه، هو أن تلك الجماعة قد ازدادت جرأة واكتست بصبغة أكثر أيديولوجية: فبعد أن أعدمت سائحاً بريطانياً في مايو الماضي بعد رفض بريطانيا الإفراج عن رجل دين أردني متطرف مقيم لديها، قامت باغتيال ضابط عسكري كبير الرتبة في تمبكتو، ثم قتلت عشرات من الجنود والقوات شبه العسكرية "المالية" التي أرسلت للانتقام لمقتله.
وفي الشهر الماضي خطفت الجماعة رجلًا فرنسياً في مدينة "ميناكا" الشمالية.
ويقول مسؤولون أميركيون إن تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، يقوم بتجنيد أعداد متزايدة من المقاتلين في موريتانيا المجاورة ذات الأغلبية العربية، وأنه لا يوجد سوى القليل من الأدلة التي ترجح وجود عمليات تجنيد نشطة في مالي، أو في معظم الدول المجاورة لها.
وينتاب القلق بعض المسؤولين في تمبكتو، التي يعيش فيها خليط من التجار والطوارق من ذوي العمائم الزرقاء، والتي تفتخر بتاريخها الزاهر في المعرفة والعلوم الإسلامية، من أن يتفاعل الفقر مع عملية التحديث بطريقة لا يمكن التنبؤ بها، وأن يصبح لنقود المتطرفين بالتالي نفوذا على بعض الناس حتى وإن لم تتمكن عقيدتهم من تحقيق هذا النفوذ.
فأجهزة تحديد الموضع عالميا، والهواتف النقالة العاملة بالأقمار الاصطناعية، جعلت من عملية ارتياد الصحاري في هذه المنطقة شيئاً أسهل من ذي قبل بكثير، وهو ما يساعد على انتشار عمليات التهريب وخصوصا الكوكايين، بعد أن أصبح السكان يعانون من البطالة والفاقة بسبب انتشار الجفاف والقحط.
ومما يفاقم مشكلة انتشار التطرف، أن بعض المتطرفين يتزوجون من بنات العائلات الصحراوية كما يقول العقيد "مامادو مانجارا" محافظ المنطقة الشاسعة الممتدة من تمبكتو إلى الحدود الشمالية للبلاد مع الجزائر. ولكن معظم رجال الدين في مالي ومنهم "محمدو حيدارا" الإمام القصير البدين، الذي يرتدي عباءة سابغة يستبعدون فكرة تجذر الراديكالية الإسلامية في مالي وإن كانوا ينتقدون في نفس الوقت الأئمة الأجانب الذين يأتون إلى هذا البلد، ويعلمون الناس أفكارا خاطئة فمن منظـور"حيدارا": "أن الدين الحقيقـي لا يمكن أن يأمر أي أحد بحرق أو قتل الآخرين" وفيما يتعلق بالمتطرفين الإسلاميين يقول: "نحن نشجب ما يقومون به ونخشاهم في الآن ذاته".
الأربعاء ديسمبر 30, 2009 10:34 pm من طرف محمد الأنصاري